Admin Admin
عدد الرسائل : 213 العمر : 28 المزاج : تصميم المواقع اعلام الدول : المهنة : الهواية : دعاء : sms : <!--- MySMS By AlBa7ar Semauae.com --><form method="POST" action="--WEBBOT-SELF--"> <!--webbot bot="SaveResults" u-file="fpweb:///_private/form_results.csv" s-format="TEXT/CSV" s-label-fields="TRUE" --><fieldset style="padding: 2; width:208; height:104"> <legend><b>My SMS</b></legend> <marquee onmouseover="this.stop()" onmouseout="this.start()" direction="up" scrolldelay="2" scrollamount="1" style="text-align: center; font-family: Tahoma; " height="78">$post[field5]</marquee></fieldset></form><!--- MySMS By AlBa7ar Semauae.com --> تاريخ التسجيل : 11/08/2008
| موضوع: قصة مفيدة الخميس 14 أغسطس 2008 - 9:38 | |
| الغيمة المستكشِفة
اختلف الناس جميعاً في إمكانية وجود صديق وفي، وكانت حكاياتهم لا تنتهي حول أهمية الصداقة وندرة الأصدقاء، لكن الغيمة ظلت تثق بالصداقة، وتحب أصدقاءها الكثيرين: الأطفال والأشجار والتلال والبحر والأمواج ورمال الشاطئ وأزهار الحدائق، فقد أتقنت لغاتِهم، وعرفت أمزجتهم، وصممت لكل منهم طريقة للتخاطب، كيلا تؤذي مشاعرهم، وكانت الأشجار والطيور والأزهار تحب الغيمة مثلما يحبها الأطفال أو أكثر قليلاً، فحين تُقبل تُستَقبل بمظاهر البهجة، وحين تمضي تُودّع بمشاعر الامتنان. لكن الزمن لا يترك أي شيء وشأنه، فهو ما يفتأ يغير ويبدل، ويهز ويزعزع، ويفرق ويشتت، تسعفه في مهمته الرياح العاتية والعواصف الشديدة، والزلازل المدمرة، وسواها من العاديات، لكن الغيمة ظلت عصية على التغير، وفية لأصدقائها، دقيقة في مواعيدها وطقوسها ومعابثاتها، فهي تبدأ بمعانقة التلال، ثم تبلغ الأشجار آخر طرفة حول الأشجار الهرمة والشجيرات الصغيرة، أو حول الطيور المشاكسة والزرافات المدعية وفئران التجارب، وتتابع مصافحة الورود، ومراقصة الطيور، ومعابثة الأطفال، وتلوم أولئك الذين نسوا إنجاز واجباتهم البيتية، وتحثهم على الاجتهاد. أحست الغيمة ذات يوم بالرتابة، ولاحظت أن حياتها تسير على نمط واحد، فهي تستيقظ باكراً، وتغادر سريرها البحري الوثير، ثم تتمشى قليلاً قبل أن تبدأ عملها، فتسقي البساتين والحقول، وتلتفت لمحادثة الفلاحين والسؤال عن أحوالهم، ثم تلقي التحية على الورود والأشجار، وتلعب وتدور مع الأطفال والطيور، قبل أن تعود أدراجها إلى البحر، وقد أخذ منها الجهد كل مأخذ، وتقطعت أوصالها، وتلاحقت أنفاسها، فتلقي متاعبها على الشاطئ، ثم تتابع تحليقات النوارس، وتصغي إلى حكايات البحر حتى تنام. لم تشكُ الغيمة يوماً من أحد، بل كانت تصغي وتتعلم، وتفتح صدرها لشكوى الآخرين، وتقابل عتابهم ودعاباتهم بتفهم حكيم، وصبر بحار، ويقظة راع، وقلب محب، ولم تتخلف يوماً عن نثر هداياها بمناسبة أو دونها، واستطاعت أن تحوز على ثقة الجميع بمن فيهم الأطفال الذين يصعب إرضاؤهم، بعكس الكائنات كلها كما هو معروف. سمعت الغيمة الأطفال يوماً يتحدثون بطريقة مختلفة، ويعرضون خططهم وطموحاتهم، وعرفت أن بعضهم يتمنى أن يقوم بجولة حول العالم، ويخطط لتنفيذ هذا الحلم منذ اليوم، وأدهشتها الفكرة فلم تنم ليلتها، وغرقت في سهوم صامت غامض يشبه سهوم الشعراء والعشاق، ولاحظ الأطفال صمتها، وقلقوا، وتشاوروا في حالها، وبحثوا عن إجابات صحيحة، لكن المسألة هنا كانت أعقد من مسائل الرياضيات، أو تدريبات النحو، أو موضوعات التعبير. لم يهتدِ الأطفال إلى معرفة سر صديقتهم المخبأ، وانتظروا أن تصارحهم بما تخفيه- على غير عادتها- لكن صمت الغيمة وقلقها طال وأقلقهم، وفي اليوم الثالث من الأسبوع الثالث من ربيع الأول، فاجأت الغيمة الحقول والتلال والعصافير والأشجار والورود والأطفال بقرارها الخطير، وأبلغتهم أنها تنوي القيام برحلة حول العالم. فوجئ الجميع بالنبأ، وحاولوا ثني الغيمة عن عزمها، ورجوها أن تعيد النظر في قرارها المتسرع، لأن التسرع يورث الهلاك، لكنها أجابتهم باعتداد وحسم، لم يتوقعوا سماعه منها، وقالت: من حقي الذهاب إلى أي مكان أريده. قدّر الأطفال أن الغيمة تمر بظرف صعب، وودوا مساعدتها، كي تظل صديقة مؤنسة وجارة وفية، لكنهم شعروا بالخيبة أمام إصرارها على الرحيل، ونكسوا رؤوسهم حزناً، وخيم عليهم صمت أغبر، لم يخفف من ثقله اعتذارات الغيمة للحقول بأنها لن تستطيع إرواءها بانتظام، وللتلال بأنها لن تستطيع غسلها كما عوّدتها، وللأشجار والورود لأنها لن تستطيع حمايتها من حر الشمس، وللعصافير لأنها لن تستطيع معابثتها، ولم يعد لديها بعد اليوم وقت تضيعه في الرقص والدوران، أما الأطفال فقد قالت لهم: إن عليكم أن تعتمدوا على أنفسكم، لأنني لن أستطيع إفادتكم بأي شيء خلال غيابي الطويل. أعدت الغيمة للرحلة عدتها، وأطلقت خيول عربتها المجنحة، وألقت نظرة على البحر واليابسة، وهمست للتلال بأحد أسرارها، ثم عبت ملء رئتيها من هوائها النقي، ومضت مبتعدة دون أن تثير ذرة من غبار، وانتابتها مشاعر متناقضة، امتزج فيها الحزن بالقلق والتشوّق: الحزق لفراق الأصدقاء وملاعب المرح، والقلق لخشيتها من الإخفاق والعجز عن المتابعة، فتغدو هدفاً لسخريات الجميع، والتشوق لرؤية مدن مضيئة، وتسلق جبال عالية، واكتشاف ورود نادرة. كانت الغيمة تسعى إلى تأكيد حقيقة لم يؤكدها أحد قبلها هي أن الغيوم تستطيع أن تفعل أكثر من البكاء، وأن الوهم السائد عن الغيوم، بأنها لا تجيد شيئاً سوى ذرف الدموع والشكوى والتأود والسير المتثاقل، لا صحة لـه، فللغيمات، دور في الاكتشاف والتنقية والمساعدة والمؤانسة وكشف الزيف. كثيرون عطّلوا رحلة المستكشفة الصغيرة، وكثيرون سخروا من أحلامها، وأسمعوها عبارات جارحة، وضحكوا من سذاجتها وجهلها مخاطر رحلات الاستكشاف، وراحوا يسجّلون قوائم طويلة بما يحتاجه المكتشف، وكادت بعض السخريات أن تثني الغيمة عن عزمها، لكن الأكثر إزعاجاً للغيمة كثرة المراهنين على إخفاقها، وتسلل خوف بارد إلى زوايا صدرها، وقد جعلها ذلك كله تعيد النظر في خطتها أكثر من مرة. الريح الشديدة أخّرتها، ودفعتها بعيداً عن مسار الرحلة، فسألت العصافير: ماذا أفعل؟ "قالت العصافير: اصمدي، الريح تقترب من تغير اتجاهها، وسنساعدك على الصمود وفاء لما قدمته لنا من منافع. وكلما واجهت الغيمة خطراً كانت تغوص في التساؤل: هل هذه هي الوجهة الصحيحة؟ "هل تتحقق تقديرات الساخرين؟.. كيف أواجه عيون الأطفال إذا أخفقت؟" وهل يحتمل أحد حكايات الإخفاق والهزيمة؟ لكنها كانت تغذ السير، وتوقظ عزيمتها بأغنيات ترددها، أو بإصغاء مرهف إلى أغاريد البلابل والزرازير وتهليلات أسراب القطا، وكان همها أن تؤكد لكل الساخرين والمشككين أنها حفيدة الغيمات الطموحات اللواتي مضين في رحلات بعيدة، لاكتشاف جزر جميلة ونباتات مفيدة، واكتشاف أعماق الغابات، وحمل رسائل رقيقة إلى قاطنين محتملين في الأجرام البعيدة. تمزق رداء الغيمة وشالها، وتجرحت قدماها، وتاهت مرات كثيرة، لكنها تحملت آلامها بعناد هرّ محاصر، وبهمة سلحفاة مثابرة، وبشغف حمام زاجل ينطلق صوب هدفه. لمحت الغيمة المستكشفة من نافذة عربتها طفلاً باكياً يجلس وحيداً فوق جسر على نهر دجلة من جهة الرصافة، فاستوقفها المشهد، ولم تشأ أن تبدأ رحلتها بلوحة حزينة، فسارعت إلى مواساة الطفل، ومسحت دمعه، وابتسمت له، لكنه لم يتعرّف عليها، فأهدته لعبة على شكل أرنب ناصع البياض، بعينين عسليتين، وقربت رأس الأرنب من كتف الطفل وهزته، فتحركت أذناه وداعبتا أذن الطفل، فأحس بدغدغة لطيفة، وحث نفسه على الابتسام، فهدأت مشاعر الغيمة ولوحت له بيدها، ثم مضت محلقة فوق النهرين الكبيرين المنحدرين من سلسلة جبلية عالية، وتذكرت الغيمة أن العرب وصلوا إلى منابعهما، وكسبوا ودّ الغيوم والجبال والأنهار والناس، لكنهم اليوم مترنحون كسالى، مضطرون لشراء كل شيء بثمن باهظ حتى المياه! ودارت الغيمة متجهة صوب الأرض السمراء وأطفالها سود الأعين. لم تجد الغيمة صعوبة في قطع المسافات الطويلة، لكنها وجدت صعوبات في عبور نقاط التفتيش على الحدود، وطالبها المفتشون بإبراز أوراقها الثبوتية، أو تعود أدراجها إلى الجهة التي قدمت منها، فحسدت الغيمة الغجر لأنهم كانوا يعبرون مع حاجياتهم ودوابهم دون تفتيش، وصعب عليها أن يجري تجاهلها، وهي السخية المشهورة، واستطاعت أن تجد وسيلة تقنع فيها مفتشي الحدود بأن لها غاية إنسانية، وأن الجوع والعطش عدوّاها وعدوا الأطفال، وهي قادمة للمساعدة، ورسمت هلالاً أحمر فوق علم عربتها الفضية، وتمكنت من عبور حاجز التفتيش في نهاية المطاف. رأت الغيمة على جانبي الطرق المتعرجة التي اضطرت لسلوكها أطفالاً سمر الوجوه، أيديهم قصبية، وأرجلهم مقوسة، وعيونهم جاحظة، توطن فيها الرعب والألم والاحتجاج، فمسحت شعورهم الجعدة، وقدمت لهم جرعات من الماء وعلباً من الحليب، ولم تنتظر سماع عبارات الشكر، وتركت عنوانها المؤقت لطالبي العون وهواة الرسائل منهم، ومضت باستقامة فوق الصحراء الممتدة، كان منظر الكثبان الرملية يشبه حزم حبال طويلة مرصوفة، أو ثياباً عسكرية صيفية منشورة في الشمس، وعجبت لامتزاج صفرة الرمال بحمرة قانية لم تتبين إن كانت آتية من حمرة الغسق، أو من نهر دم يتجه من أعالي الجبال صوب الصحراء الثكلى. مالت عربة الغيمة بعد عبور المحيط الداكن صوب البلاد المضيئة، وعجبت لنظافة الشواطئ وجمال الحدائق، وصفاء الوجوه التي لوحتها الشمس بسمرة الزخارف المنمنة والأقواس البهية، والشرفات التي لم تر مثلها من قبل، فاقتربت من سطح القصر لتشهد المنظر، لكن الحراس أبعدوها قائلين: الزيارة ممنوعة هذا اليوم، عودي في الغد ومعك النقود، عندها بكت الغيمة، وسالت دموعها في وادي الدموع، الذي يحتفظ باسمه منذ غادر ساكنو القصر مرغمين هذه الديار، ولم يسمح لهم برؤيتها أبداً. عبرت الغيمة المتعبة الحزينة قمم جبال ثلجية كأنها الحراب، وأطلت على مدن مضيئة أبنيتها شاهقة، مغمورة بالضباب، وقدرت أن هذا يساعدها على السير بحرية أكبر، ملتحفة الغيوم أو الضباب الكثيف، لكن لون الغيمة الأسمر ظل مميزاً، وسمعت من يشير إلى غرابتها أو إلى جمالها النادر، لكنها لم تجد من يدلها على الطريق، فتاهت عربتها في الطرق المتشابكة والمحطات المزدحمة، وصادفت غجراً سعداء، يقومون بألعابهم البهلوانية داخل خيمة سيرك كبيرة، ويؤدون حركات بارعة، ويلقي بعض المهرجين طرائف مسلية، وكان أطفال الغجر يؤدون الحركات نفسها ببراعة ذويهم، وراح بعضهم يطعم حيوانات السيرك أو يبيع الحلوى للمتفرجين. لم تتعب الغيمة كثيراً، لكن الشوق هدّ قواها، فقررت أن تطفئه بكتابة رسالة إلى أصدقائها، لكنها عدلت عن الفكرة لئلا تثير أشجانهم، وفضلت أن ترسل إليهم بطاقات بريدية جميلة عليها طوابع نادرة، وتذكرت حكاية سمعها أحد الأطفال من جدته، تقول: كانت الغيمة خيمة غبراء حزينة، ساعدتها الريح، وعلمتها التجارب والمحن أن تفك قيودها وتنفض غبارها، وتتحول إلى بساط ريح. لم تؤكد الغيمة الحكاية أو تنفها، واكتفت بابتسامة رأتها أفضل من أي نفي أو تأكيد. | |
|
Admin Admin
عدد الرسائل : 213 العمر : 28 المزاج : تصميم المواقع اعلام الدول : المهنة : الهواية : دعاء : sms : <!--- MySMS By AlBa7ar Semauae.com --><form method="POST" action="--WEBBOT-SELF--"> <!--webbot bot="SaveResults" u-file="fpweb:///_private/form_results.csv" s-format="TEXT/CSV" s-label-fields="TRUE" --><fieldset style="padding: 2; width:208; height:104"> <legend><b>My SMS</b></legend> <marquee onmouseover="this.stop()" onmouseout="this.start()" direction="up" scrolldelay="2" scrollamount="1" style="text-align: center; font-family: Tahoma; " height="78">$post[field5]</marquee></fieldset></form><!--- MySMS By AlBa7ar Semauae.com --> تاريخ التسجيل : 11/08/2008
| موضوع: رد: قصة مفيدة الخميس 14 أغسطس 2008 - 9:39 | |
| طافت الغيمة الباسمة فوق البحيرات والأنهار والغابات والجبال، والمدن المتربعة على الشواطئ المتعرجة، وتمنت أن يكون أصدقاؤها الأطفال بصحبتها، كي تشاركهم البهجة، وتتقاسم معهم سعادة المعرفة، وتنسى من خلال حكاياتهم ودعاباتهم متاعب الرحلة وألم الفراق، لكنها ما لبثت أن اكتشفت وسيلة جديدة ساعدتها على حفظ حكايات طريفة، من أجل أن تقصها على أصدقائها عند عودتها، فقد أعجبتها الحكايات الهندية والصينية والفارسية، مثلما أعجبتها الأبنية الشاهقة والزخارف الجميلة، وحرصت أن تجمع طرائف عن الأطفال والدمى والحيوانات، وتسجل قائمة بأسماء المكتبات الكبرى التي حوت أشهر المخطوطات العربية النادرة. طافت الغيمة في الأسواق، وضايقها الزحام، وأوصلها إلى حافة الاختناق، وأعجبتها البضائع المعروضة والألوان الزاهية والواجهات والأضواء، والألعاب الخاصة بالأطفال، فقررت أن تملأ عربتها بالهدايا حينما تعود، وتجاهلها الناس، وسخر بعضهم منها قائلاً: غيمة في السوق، من يشتريها؟ ومن يحتاج إليها؟ وآلمتها سخرياتهم، فمضت إلى سوق الطيور، وعجبت من عددها الكبير المأسور في الأقفاص، وسمعت أناشيد حزن ومقطوعات شجية، لا يدرك ما فيها من الألم إلا من عانى مثله، وما ظنه بعض السامعين غناء وتغريداً، رأته الغيمة مراثي شرقية، وتذكرت حكاية قديمة قيل فيها إنه كان هناك سوق للنخاسة، يباع فيها رجال ونساء وأطفال، ودبت في أوصالها رجفة وخشية من إمكانية عودة تلك الأيام السوداء، وتمنت ألا تعود، لكنها تعلم أن الأماني لا تقلي بيضاً كما يقول المثل، وأن مواجهة الشر تحتاج إلى قوى خيرة موحدة. عرض سكان مدن الضباب على الغيمة أن تبقى، فلم يعد هناك مبرر للرحيل، والريح غير مواتية، والإقامة ممكنة عندهم، فعقدوا اجتماعاً واسعاً دعوا إليه الغيمة، وتبارى متحدثون بارعون في امتداح جمالها وسرعتها ودورها في تقديم العون للناس، وللأطفال بخاصة، فأحست الغيمة بحرج شديد لأنها لم تقم إلا بجزء يسير من واجبها، وأشعرها الخطباء بالامتعاض لتلاعبهم بالألفاظ ولمبالغاتهم وصورهم واستعراضاتهم البلاغية المملة. وتوجت الكلمات باختيار الغيمة رئيسة فخرية لجمعية الغيوم الشاردة، وأُهدي إليها درع ثقيل، ودب بني يتأرجح ببالونات صفراء. فكرت الغيمة في كيفية التصرف إزاء هذا الكرم الزائف والمعاملة المحرجة، ثم وجدت مخرجاً ملائماً، وشكرت الحاضرين، ثم قالت: أما الهدايا فإني أقبلها، لأني أستطيع توزيعها على الأطفال المتفوقين الكثيرين الذين أصادفهم أينما توجهت، وأما الدرع فإني أتركه تذكاراً في جمعيتكم، وأما الرئاسة الفخرية فإني أعتذر عن قبولها لأني لا أحبذ الإقامة في مكان واحد، وأجد نفسي مشدودة لاختراق المسافات البعيدة واكتشاف الآفاق، وتقديم العون لأصدقائي الأطفال. قصت الغيمة بعض حكاياتها التي جمعتها على أطفال صفر الوجوه ناحلي الأجسام، فأشرقت وجوههم بابتسامات عذبة، وأحبوا كثيراً حكاية "الأفعى والقنفذ"، وحكاية "الفأرة والزرافة"، وحكاية "الزهرة والفراشة والشمس"، وأعجبوا بحكمة القنفذ التي أنجته من خديعة الأفعى، كما سرهم طموح فأرة المختبر التي تريد أن تغير العالم، وتعلموا من براعة الشمس، إذ استطاعت أن تعطي الزهرة والفراشة ما تستحقانه، وأن تفهمهما أن لكل كائن في الطبيعة دوراً يقوم به، وعملاً نافعاً يميزه ويجعله جميلاً، حتى الغيمة أرادت دخول المنافسة مع الزهرة والفراشة، لكنها حين سمعت عبارات الشمس تراجعت خجلة، ومضت تكمل رحلتها. جمعت الغيمة هداياها وحكاياتها، وأسٍرجت خيول عربتها، واتجهت صوب الأمازون، وأدهشتها الغابات الكثيفة والمياه المتدفقة، ورحبت بها الطيور والغزلان، ودعاها أطفال بصدور مكشوفة إلى اللعب، لكنها شكرتهم، واعتذرت عن المشاركة بسبب مشاغلها الكثيرة، ومضت تستطلع الوجوه والتماثيل، وتستنطق التواريخ المحفورة على الصخور وشاهدات القبور. طالت غيبة الغيمة، ونسيت نفسها، وتغير لونها، وازداد شوقها إلى العودة، لكن شوق الأطفال والحقول والتلال كان أكثر، وهمست العصافير قائلة: اشتقنا للغيمة، ولصراحتها الجميلة وكرمها وطيبتها، وقالت الأشجار والورود وهي تنكّس رأسها حزناً: العطش والحزن ثقيلان لكن فراق الغيمة أثقل منهما، وقال الأطفال بعد انتهاء لعبتهم المفضلة "استر": طالت غيبة الغيمة، واشتقنا إلى ظلها ومطرها، وافتقدنا دعاباتها ولوحاتها المضيئة. ولم تكن الغيمة أقل من أصدقائها شوقاً وحزناً، لكنها كانت مصرة على متابعة الرحلة حتى النهاية، إذ ليس من عادتها التراجع عن خطوة أعلنتها أمامهم، ولا تحب أن تُسأل عن مكان أو حادثة مهمة، وتجد نفسها عاجزة عن الإجابة. تمشت الغيمة قرب صخور الشواطئ، ورأت المراكب الضخمة وحاملات الطائرات، ولمحت غواصات تغيب في الماء ثم تظهر مناقيرها الطويلة، وعجبت من حركاتها المخادعة، وداعبت النوارس ومسحت رؤوس الفقمات المستحمات في الضياء الساطع، ورأت أطفالاً سعداء يتبادلون الكرة فوق الرمل النظيف، أو يرسمون خطوطاً وأنفاقاً، وسرها أن يدعو كل منهم زميله كي يريه ما صنع، وأُعجبت بنشاط الأطفال، وحركتهم الدائبة وحيويتهم الفياضة، وإقبالهم على الحياة إقبال من يخطط كي يعيش ألف عام، وانتبهت إلى جلبة أطفال آخرين، يلعبون فوق حطام مركب قديم، ولم تعجبها صيحات النصر التي أطلقها فريق القراصنة، على الرغم من عدده الضئيل، وأسفت لرؤية فريق البحارة يبتعد عن المركب نحو الماء أو صوب الرمال، يختبئ بعيداً عن الخطر، وفي اللحظة التي اندفعت فيها الغيمة لمساندة فريق البحارة، أنهى الأطفال لعبتهم، واستلقوا ضاحكين فوق الرمال، وحزنت كثيراً لأن المساعدة تأتي غالباً متأخرة نصف خطوة. لاحظ أطفال الأمازون أن الغيمة تغير اتجاهها، وتعدل سرعتها، وتبحر في الفضاء الأزرق الواسع، وراحوا يتبارون في تفسير ذلك، فلم يتبينوا بالضبط إن كان تغير اتجاه الريح، أم منظر المركب المحطم الذي يذكر بالنهايات غير السعيدة للرحلات الطويلة، أم انشغال الأطفال عنها باللعب، أسباباً كافية كي ترحل بعيداً، وقبل أن يلحظ الأطفال ابتعادها، وتنطلق حناجرهم بأغنية تدعوها إلى الإقامة، أو المكوث قليلاً عند الشاطئ، كانت الغيمة قد عبرت السلسلة الجبلية المحاذية لشاطئ البحر، مضت في طريق التعرف على هذا العالم العجيب وناسه وأشيائه، ومشاهدة الدلافين تمرح قافزة أو مندفعة نحو قلب الموجة، حتى إذا استشعرت خطراً يحيق بمخلوق ضعيف، أسرعت إلى نجدته، وقد رأت الغيمة بأم عينها دلفيناً يدفع طفلاً مشرفاً على الغرق نحو الشاطئ، فشكرته على فعلته. كثرت تساؤلات الفضوليين للغيمة عن وجهة سيرها وغايتها ونوع عربتها، وهل تحمل مالاً أو أسفاراً، ودعاها بعض الناس إلى المكوث أو التوقف، فاكتفت بانحناءة خفيفة لهم على الطريقة الآسيوية، أو بتلويحة شاكرة على الطريقة العربية، وعند أحد المعابر الجبلية أُوقفت الغيمة، ووُجهت إليها تهمة تهديد الاستقرار وخرق المعاهدات، ثم أودعت قبل سماع حجتها أحد السجون الضخمة، ورأت هناك أناساً جفت عروقهم وضاعت ملامحهم، وأثقلتها الأغلال، وأنهكتها الرطوبة، فاستعانت بتعويذة سحرية ورثتها عن جدتها السحابة، وهربت من كوة صغيرة في جدار السجن دون أن يلاحظها الحراس، وتابعت رحلتها إلى الجزء الآخر من العالم، كي تبلّغ تحيات الأطفال التي تحملها إلى أقرانهم، ورغباتهم في أن يزوروهم ويتعرفوا عليهم. وزعت الغيمة الهدايا التي حملتها في عربتها على أطفال القارات البعيدة، قائلة: هذه عربون محبة وصداقة، فشكروها قائلين: سنذكرك دائماً. وكان على الغيمة إنجاز كثير من الأعمال، لكن الحنين إلى أصدقائها استبد بها، وإن لم يثن عزمها على الوصول إلى جبال الجليد، وتجاهلت تحذيرات الناس والطيور بأنها ستتجمد هناك، ولن تستطيع العودة، وقيل لها: إن العناد يقود غالباً إلى عواقب لا تحمد. رغبة الاكتشاف ومشاعر التحدي، ومتعة مواجهة الصعاب التي تمنح الحياة طعماً، قادت الغيمة إلى المنطقة القطبية،وهالها بساط الجليد الممتد كمرآة ضخمة، ولاحظت أطفالاً عيونهم صغيرة، يلبسون الفراء، ويحاولون بناء بيوت صغيرة من الجليد، وودت مساعدتهم، لكن يديها لم تسعفاها على تقديم أي عون، فاكتفت بإلقاء التحية عليهم، وتقديم قفازات صوفية وكتب حكايات ملونة وقطع حلوى. حاولت الغيمة توجيه عربتها نحو طريق العودة، لكن العربة تعطلت، وصعب عليها المضي في المسار المتجمَد، فاستعانت بشوقها لأصدقائها ونشاطها المثابر، لإعادة الحياة إلى روحها المتحدية، وإلى عربتها المتمايلة، وانطلقت مبتعدة عن قارة الثلج والجليد، وأناسها المغلفين بالفراء، وأطفالها الذين يشبهون صغار الباندا. ازداد قلق أصدقاء الغيمة لغيابها الطويل، فقال فياض: تأخرت الغيمة واشتقنا لمعابثتها، وقالت زهراء: ليتها تعود سريعاً فنسمع حكاياتها، وقال ماهر: أنوي أن أفعل مثلها حين أكبر، وقالت لمياء: لا تنتظروا عودتها، لأني أتوقّع أنها غضبت من تجاهلنا لها، وقال سعد: يعجبني طموح الغيمة، وأقدر أنها تنوي أن تعلمنا التحدّي وتحمّل الأخطار، وتعاهد الأطفال على أن ينتظروا ويروا. وقالت الحقول والورود: إن لم تعد الغيمة هلكنا، وقالت الأشجار: حجة الغائب معه. وحافظت التلال على وقفتها المتأملة وانتظارها الذي لا يكل، وعلى صبرها الذي لا ينفد. وفي اليوم الذي لم يتوقع أحد فيه رؤية الغيمة، أو عودتها، هبت ريح ناعمة نديّة، وأهدى البرتقال اليوسفي للشمس لونه، وزادت الطيور من تحليقاتها ومرحها، وتمايلت الأشجار وأفاقت الورود من نعاسها الطويل، وبدا أن خبراً سعيداً سيُزف قريباً إلى الجميع. صحيح أن الريح همست للتلال، وأبلغتها أن الغيمة ستصل بعد قليل، ورأت الطيور الريح تهمس، فعرفت أن أمنية جميلة ستتحقق، لكنّها لم تتبين حقيقتها، أما الأطفال فقد أصغوا لهمس الريح، بعد أن أوقفوا لعبهم، وتركوا أبصارهم ترعى التلال، وتتابع حركات الطيور وتشكيلاتِها البديعة، وتتملى ألوان الورود المستفيقة، وراحت مخيلاتهم ترسم وجه الغيمة الباسم، وعربتها المندفعة صوب ربوع الوطن. وبينما كان الجميع في همس ومرح وأحاديث متشعّبة، وتوقّعات بعيدة عن التصور، أطلَّ موكب الغيمة محمولاً على عربات الريح، لم تكن مسرعة لكن الشوق دفع عربتها، وكأنها تحسّست شوق أصدقائها، وتابعت سيرها تخب بمشية المنتصر حتى بلغت وسط القبّة الزرقاء، واصطفت خلفها وحولها غيوم كثيرة سمراء وبيضاء، وبدت حائرة في شرح سر غيابها الطويل لأصدقائها، وتفسير أسباب تأخرها، مثلما حارت في انتقاء حكاية تبدأ بها حديثها، ولم تستطع أن تكتم مشاعرها التي اختلطت فيها البهجة بالتأثّر، وودت أن تمازح الأطفال، لكنّ دموعها طفرت دون أن تستطيع كبحها، واكتفت بنثر هداياها دون أن تسمّي أصحابها، وعرف الجميع أن الهدايا تخص كل فرد منهم، مثلما تخص الأشجار والورود والتلال والحقول والطيور والأطفال المشاكسين، وكانت الهدايا كتب حكايات مزينة بلوحات جميلة، وعلباً فضية ملفوفة بشرائط بيضاء، تحملها عربات مائلة إلى البياض، تجرها جياد بيض، ويقودها رجال بلحى بيضاء وقلنسوات فضية. قالت الغيمة والابتسامة تضيء وجهها: العالم جميل واستكشافه أجمل، وقد وصلت إلى حدود الكوكب الأرضيّ، ورأيت مدناً مضيئة وجبالاً وأنهاراً وشلالات وسدوداً وأسلاكاً وسجوناً، ورأيت أطفالاً جياعاً وطفلات عليلات، وطفت في شوارع مزدحمة بالبضائع، وعبرت قمماً عالية، وزرت متاحف تضم كنوزاً نادرة، لكني عدت من رحلتي بحقيقة تساوي تلك الكنوز التي شاهدتها كلها، وهي أن العالم الفسيح قد استكشف، والبحار العميقة قد استكشفت، لكنّ زوايا كثيرة في أعماق الإنسان ما زالت غامضة تنتظر من يستكشفها! وقد أعادني الشوق ورغبة البحث إليكم، لأتابع رحلة الاستكشاف هنا بينكم، وعند ذلك غالبتها دموعها، وإن لم تفارقها الابتسامة! لم ينظر أحد في عيني الغيمة الدامعتين، ولم يلحظوا إلا ابتسامتها الواسعة، لكنهم أدركوا بسهولة أنها تغيرت في رحلتها الطويلة كثيراً، وغدت أكثر شحوباً وكرماً، وأفرح الغيمة أنها وجدت أصدقاء ينتظرونها بشوق، وأدركت أهميّة إحساس الكائن أن هناك من يفكر فيه ويسأل عنه، وقطعت عهداً لأصدقائها ألا تغيب طويلاً، وأبلغت أصدقاءها المحتشدين أنها تعلمت من رحلتها أن تكون أكثر حرصاً على مواعيدها، وأكثر اهتماماً بأصدقائها. فرح الأطفال بوعد الغيمة، وشكروها على هداياها الجميلة، وأهدوها طفل ثلج بعينين زجاجيتين، وأنف أحمر وقلنسوة بنية، وجعلوا في يده غصناً أخضر، وكانت يده الأخرى تلوّح محيّية الغيمة والتلال والريح، وعربات الغيوم السريعة، وكأنّه يودّ أن يصافحها، أو يتوقع أن تحمله إحداها بعيداً كي يطوف العالم، ويتعلّم ويستكشف ويعرف مثل الغيمة الشجاعة. | |
|